السلام عليكم
اللهم صل ع محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم ياكريم
القيامة والحياة بعد الموت
-لا مفهوم للحياة دون المعاد:
إننا نعتقد أن البشرية تبعث بعد الموت مرة واحدة للحساب، ليلقى كل إنسان جزاء عمله، فمن عمل صالحا فالجنة مثواه ومن عمل سوءاً فالنار مسكنه: (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه)النساء/87.
(فأما من طغى*وآثر الحياة الدنيا*فأن الجحيم هي المأوى*وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى*فإن الجنة هي المأوى)النازعات/37-41.
إننا نعتقد أن هذه الدنيا هي جسر، وعلى الإنسان أن يجتازه ليصل إلى مقره الأبدي، أو بتعبير آخر هي مدرسة لنا أو مزرعة للعالم الآخر.
يقول الإمام علي (عليه السلام) عن دار الدنيا: ((أن الدنيا دار صدق لمن صدقها... ودار غنى لمن تزود منها، ودار موعظة لمن اتعظ بها؛ مسجد أحباء الله، ومصلى ملائكة الله ومهبط وحي الله، ومتجر أولياء الله))(1).
-دلائل المعاد واضحة:
إننا نعتقد أن دلائل المعاد في غاية الوضوح، ذلك أنه:
أولاً: لا يمكن أن تكون الحياة الدنيا هدفاً نهائياً لخلق الإنسان، ليحل فيها أياما عديدة مليئة بالمشاكل ثم يرحل عنها وينتهي كل شيء: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون)المؤمنون/115.
ففي هذه الآية إشارة إلى أن الحياة الدنيا ستصبح عبثاً دون المعاد.
ثانياً: يتطلب العدل الإلهي فصل الصالحين عن الطالحين لينال كلٌ جزاءه الذي يستحقه: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءً محياهم ومماتهم، ساء ما يحكمون)الجاثية/21.
ثالثاً: تستوجب الرحمة الإلهية الواسعة ألا ينقطع الفيض الرباني والنعمة بعد موت الإنسان، ويستمر التكامل البشري لدى من يستحقه: (كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه)الأنعام/12.
والقرآن الكريم يخاطب من يشك في المعاد: (أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد)ق/15.
(وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم*قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم)يس/78-79.
أضف إلى ذلك أن خلق الإنسان ليس بالأمر الصعب بالقياس إلى خلق السماوات والأرض، فالقادر على إيجاد هذا العالم الواسع بما يحتويه من عجائب وغرائب قادر على أن يحيي الموتى: (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يَعيَ بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى أنه على كل شيء قدير)الأحقاف/33.
-المعاد الجسماني:
إننا نعتقد أن الجسم والروح معاً سيبعثان في الآخرة ليستأنفا حياة جديدة؛ لأن العمل الدنيوي تم من خلال الجسم والروح، ولا بد أن يكافأ، أو يعاقب كلاهما أيضاً.
إن معظم الآيات القرآنية التي تتحدث عن المعاد تتطرق إلى المعاد الجسماني، حيث رد القرآن على استغراب المعارضين الذين يتشاءلون عن كيفية عودة هذه العظام النخرة إلى الحياة، وقال: (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) يس/79.
(أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه * بلى قادرين على أن نسوي بنانه) القيامة/3و4.
هذه الآيات وأمثالها تدل دلالة صريحة على المعاد الجسماني، كما أن الآيات التي تتحدث عن البعث من القبور تكشف بوضوح عن المعاد الجسماني(2).
وتشرح أغلب الآيات الخاصة بالمعاد في القرآن المجيد المعاد الروحاني والجسماني.
- عالم ما بعد الموت:
إننا نعتقد أن خفايا عالم ما بعد الموت والقيامة والجنة والنار هي أكثر بكثير مما نتصوره في عالمنا المحدود هذا، وما نعلمه عن ذلك العالم: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين) السجدة/17.
وجاء في الحديث النبوي: (إن الله يقول: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)(3).
إننا في هذه الدنيا أشبه ما نكون بالجنين في رحم أمه الذي لا يدرك حقيقة الشمس والقمر والهواء والزهور وهدير البحر، حتى وإن كان له عقل وذكاء؛ فهذا العالم بالنسبة لعالم القيامة هو كعالم الجنين بالنسبة لعالم الدنيا.
- المعاد والأعمال:
إننا نعتقد أن صحائفنا التي تكشف عن أعمالنا ستلقى إلينا يوم القيامة، فيؤتى الصالح كتابه بيمينه، والطالح بيساره، فيفرح يومئذ الصالحون ويأسى المذنبون العاصون: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه * إنني ظننت أني ملاقٍ حسابيه * فهو في عيشة راضية * وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه) الحاقة/19-25.
ولكن ليس من الواضح لنا كيف تكتب هذه الصحائف التي ليس بوسع أحد إنكارها، ولا نعلم شكلها أو صورتها، وقد أشرنا آنفاً إلى أن المعاد ينطوي على خصائص لا يستطيع الناس في الدنيا فهمها وإدراكها، غير أن مما لا يمكن إنكاره وجود المعاد.
- الشهود في القيامة:
إننا نعتقد أن الله عز وجل يشهد على جميع أعمالنا، كما أن هناك شهوداً آخرين هم أيدينا وأرجلنا وجلودنا والأرض التي كنا نسكن فوقها وغير ذلك: (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) يس/65.
(وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا، قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء) فصلت/21.
(يومئذ تحدث أخبارها * بأن ربك أوحى لها) الزلزلة/4 و5.
- الصراط وميزان الأعمال:
إننا نعتقد بوجود الصراط والميزان يوم القيامة، والصراط هو الجسر الذي ينصب على جهنم ليعبر عليه جميع أبناء البشر. أجل، فطريق الجنة يمر عبر جهنم: (وأن منكم إلا واردها كان ذلك على ربك حتماً مقضيا * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا) مريم/71 و72.
والعبور من هذا الممر الخطير له علاقة بعمل الإنسان نفسه، فقد جاء في الحديث: (منهم من يمر مثل البراق، ومنهم من يمر مثل عدو الفرس، ومنهم من يمر حبواً، ومنهم من يمر مشياً، ومنهم من يمر متعلقاً، قد تأخذ النار منه شيئاً)(4).