الجنة تحت أقدام الأمهات
قيل ويقال وسيقال عنها الكثير ... وكلما تحدثنا عنها كلما إزدادت تواضعاً حتى
الذوبان ... وإنكفاءً حتى التلاشي. فلديها صفاتٌ لا تُعدّ، ولعلّ في مقدمها؛
أنها تعطي من غير منّة ولا تنتظر جزاءً... حتى العقوق... تلقاه بالصدر الواسع
والقلب الكبير. إنها الأم...
الجنة تحت أقدام الأمهات، (قول مأثور) تردد عبر الأزمنة، يحمل في ثناياه
تعابير ومعاني وتضحيات الأمومة منذ أن وجد الإنسان، ليصور لنا مدى عظمة هذه
المخلوقة التي تعطي من ذاتها، ودمها، دون أن تنتظر مقابلاً، ليصور لنا أيضاً
علاقة لا يمكن وصفها بين الأم ومخلوقٍ لم تراه أعيُنِهَا ولكنها أحست به قبل
غيرها من البشر، حتى قبل أن يحس هو بنفسه وبالحياة.
«وأما حق أمك فأن تعلم بأنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحداً، وأطعمتك من ثمرة
قلبها ما لا يطعم أحد أحداً، وأنها وقتك بسمعها، وبصرها، وشعرها، ويدها،
ورجلها، فرحة مستبشرة متحملة لما فيه مكروهها وألمها، حتى دفعتك عنها يد
القدرة، فرضيت بأن تشبع أنت وتجوع هي، وتُكسى أنت وتعرى هي، وتُروى أنت وتظمأ
هي، فحقها أن تشكرها على قدر ذلك ولا تقدر عليه إلا بعون الله وتوفيقه».
هذه الأقوال والأحاديث والكثير غيرها من الأقوال المأثورة التي تتحدث عن هذا
المخلوق الرائع ألا وهو الأم، ذكرت ذلك بل أكثر منه الديانات السماوية جمعاء
حول فضل الأم وعن رضا الله رب العالمين من رضا الوالدين التي تشكل الأم الركيزة
الأساسية في المجتمع، تلعب العامل الأبرز في الترابط العائلي، حيث أتى على ذكر
هذه العظمة، والقدوة، والفضلة، والقداسة، القرآن الكريم من خلال آيات عديدة
كانت بمثابة الشاهد لهذه البركة التي خصَّ الله بها هذه المخلوقة وجمعها في
كلمة «أم» وما أجملها من كلمة.
« وَوَصَّينَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيهِ حَمَلَتهُ أُمُهُ وَهناً عَلَى وَهنِ
وَفِصَالُهُ فِي عَامينِ أَنِ اشكُر لِي وَلِوالِديكَ إِليَّ المَصيرُ».
صدق الله العظيم
« يَسأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُل مَا أَنفَقتُم مِّن خَيرٍ
فَلِلوَالِدَينِ وَالأَقرَبِينَ وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابنِ السَبِيلِ
وَمَا تَفعَلُوا مِن خَيرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ». صدق الله
العظيم
كذلك نالت الأم نصيبها من الأقوال المأثورة في أحاديث الرسل والأنبياء(ص)
والأئمة(ع). وتحدثت عن قدسيتها كل الأديان حتى وصلت إلى درجة قول الرسول
الأعظم(ص): رضا الله من رضا الوالدين. أهناك أسمى من الأمومة التي علت درجاتها
إلى أن يكون رضا خالق الكون ورب العالمين من رضاها. تعطي وتتمنى وتطلب الحياة
والأمل والأمان وطول العمر لمن عرفتهم قبل أن يعرفوا الحياة. ولا تنتظر إلا كرم
وجه ربٍ كريم. لأنها أعطت كل ما تملك لمن لا قدرة لهم على الإستمرار دون مساعدة
الآخرين. حيث قال الرسول الأكرم(ص) لشاب سأله:
«إنَّ لي أبوين كبيرين وأنا آلي منهما ما كانا يليان مني في حال الصغر فهل
وفيتهما حقهما ؟ فأجابه(ص): والله لو قضيت في خدمتهما مئة عام لما وفيتهما
حقهما. قال: ولم يا رسول الله ؟ قال(ص): لأنهما كانا يصنعان ذلك معك وهما
يتمنيان بقاءك وحياتك. ولكنك تصنع ذلك معهما وأنت تتمنى في قرارة نفسك موتهما».
كما قال عنها الإمام زين العابدين(ع): «وأما حق أمك فأن تعلم بأنها حملتك حيث
لا يحمل أحد أحداً، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحداً، وأنها وقتك
بسمعها، وبصرها، وشعرها، ويدها، ورجلها، فرحة مستبشرة متحملة لما فيه مكروهها
وألمها، حتى دفعتك عنها يد القدرة، فرضيت بأن تشبع أنت وتجوع هي، وتُكسى أنت
وتعرى هي، وتُروى أنت وتظمأ هي، فحقها أن تشكرها على قدر ذلك ولا تقدر عليه إلا
بعون الله وتوفيقه».
إنها وهي تتألم ترسم البسمة على شفاه الآخرين. وسط جراحها تطلب الحياة والصحة
للآخرين كما قال فيها الشاعر الشيخ إبراهيم المنذر:
لكنه من فَـرطِ سُرعتِهِ هوَى
فَتَدَحـرجَ القلبُ المُضَّرجُ إذ عَـثَر
نـاداه قلبُ الأم وهُـوَ مُعَفَّرٌ
ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر
إنها الأم مكملة الرجل.
إنها الأم، مربية الإيمان الأولى.
إنها الأم، إنها البذل في سبيل الآخر.
إنها الأم، العنصر الثابت في الأسرة ومنطلق روابط الأمل.